الاثنين، فبراير ١٦، ٢٠٠٩

سلمـى .. " قصه "

انتهيت منها منذ ثلاثه ايام وترددت كما العاده لأضعها هنا .. المقياس هنا مختلف لا ادري لماذا ، اليكموهـا على أي حال

***

ثمـة أشياء في الحيـاة بمثابـة الأعمدة .. إن ملكناها نستطيع ان نبدأ متى وحيث شئنا بعد مشيئة الله ..

سلوى ،عمر،عبد العزيز وسماء الرضيعة ووالديهم كانوا أعمده الخيـمة عند واسطة العقـد " سلمى "

صغيـرة لم تتجاوز الثامنة لها من مشاغبة الأطفال نصيب وببعض من صلابة والدها وهدوء أمها مع وجه قمحي يخالطه بعض النمش تعطيك سلمى الإنطباع بأنها ليست ممن تمر عليهم مرور الكرام .

كزهـرة تنمو على أرض غـزة فليس ببعيد ان تكون يد أمها الثانية في كل شيء .. فالطفولة هناك لها وجـه آخر ..



كان بكاء سماء يملأ أرجاء المنزل عندما أغلقت سلمى الباب قافلة من مدرستها الفاخورة
هرعت لتحملها تهدهدها تواسيها حتى فرغت أمها من صلاتها ..

كبيرة سلمى ، صغيره عندما يتعلق الأمر بدراجتها وارجوحه صنعها والدها في فناء المنزل ..

لم يحتج الأمر لأكثر من ثلاث دقائق لتزلزل غزة بالصواريخ ليساير الواقع على الأرض بكثرة دمائه .. جوا كانت تنذر به السماء منذ الصباح كأنما تشفق عليهم من غدر قادم

في غـزة . عليك الاعتياد على أصوات الاسعافات والمباني التي تتداعى الى الأرض مجندلة بين ركامها .. فلم يكن للقصف الأول باعا من القلق لدى أهل القطاع لاسميا بيت أبو عمر

بيد أن الساعه لم تأخذ كثير جهد لوصول عقاربها إلى حد نهاية الدقيقة الستين
إلا وحربا قامت قيامتها .. فكان تصديق أقدار اللوح المحفوظ بارتقاء مئات بحلول عصر يومئذٍ

هرعت سلمى ووالدتها مع الرضيعه وعبد العزيز الذي جذبوه بالقوة عن ارجوحته التي يحب الى بيت العائلة القابع في واحدة من المناطق الزراعيه المفتوحة.. فلبيتهم القريب من بعض المقار الأمنيه نصيبا لا بأس به من الأضرار والاحتمالات عالية النسب ليندك فوقهم ..

يوم ،اثنان ،اسبوع .. والعائله لا تعرف طريقا للعوده الى بيت يقال ان جدرانه لا تزال صامده لكنه لم يخرج من حيز الأخطار بعد ..

زحف الطائرات مصحوبا بزفة من ألعاب بني صهيون الفسفوريه غطى سماء المنطقه التي تقطنها العائله الكبيره ، أخبار الشهداء والجرحى تتوالى من كل جانب .. فكان لابد من الرحيل الى حيث لا يعلمون .. شيخ كبير ومعه خمس نسوه هم زوجات بنيه وبعض أبناء عمومته حملوا ما يمكن حمله على عجل ..

عمر ذو الثانية عشرة كان يتميز من الغيظ حين يرى نفسه متقهقرا عن قتال أعدائه لكن كلمة من أمه كانت كافيه لترده عن عزمه بالذهاب الى حيث أبيه – حيث لا يعلمون –


بدأت بضع دبابت تسير بترقب شديد وتتوغل بين المباني الثلاثه الوحيده في منطقه زراعيه بالكامل

كانت العائله بعددها الملحوظ وبضع نفرمن عائلات المنازل الاخرى على بعد مسافه لا بأس بها قبل ذاك التوغل .. لكن المناظير ثاقبه الرؤيه سبقت كلمتها فقصفت جوارهم مباشره ليتوقفوا

خوف ،هلع وصراخ صغار .. ومكبرات الصوت تعلو برفع الأيدي والا سيكونوا الهدف التالي للقذيفه

كانت احداهن تتقن العبريه فصدحت بصوتها ان كل من هناك نساء مع اطفالهن وشيخ فقط ..
أمسكت القذائف بارودها وانطلقوا مبتعدين يتعثرون على عجل والموت يتربص بهم في كل لحظة


كان لابد من بعض اللون الأحمر ليشعر ذوو النفوس المهترئة الصدئة انهم أنجزوا شيئا .. ليشفي نواقص مشاعرهم التي لم تعرف سوى الرعب مذ وطئوا أرض غزة ..

وما ان تحركت أغصان أشجار منزل يقترب منه أبو حسن ومن معه على أطراف الثغر الشمالي ( جباليـا ).

علا صفير الهواء لاحتكاك القذيفه به ..واحده تتلوها اخرى وثالثه ورابعه .. لتستقر في المنزل الذي ظنوا فيه حركه .. وكان للحشد من حقدهم نصيب الأسد ..

تسمر الكل في مكانه في مسرح انكشفت مشاهده إثر زوال ستائر الدخان .. البعض يجد نصف طفل فوقه واخر يتحسس قدمه فلا يجدها واخرى يصرخ صغيرها فزغا فلا تجيبه

" لا اله الا الله " نطق بها أبو حسن ليشق صمت المشهد ..
زوجة ابنه ممددة يحركها ابنها عمر بعنف كي تقوم ..
وسلوى وسلمى تحتضنان عبد العزيز والرضيعه التي تصرخ من أحشائها بخوف من يشعر بحد السكين تجز رأسه عن باقي جسده ..

تسارع أهل المنطقه ليحملوا الجثث ويعينوا الجرحى .. والألسنه فرغت لوما وعتابا ودهشة ..

فات من الوقت ما يكفي لتصعد ارواح من الجرحى نتيجه شده النزف ثم دوى صوت الإسعاف الذي مـُنع .لأن المنطقه التي يتم تصفيتها عسكريه مغلقه كما زعمت القرود .

ارتمت سلمى على امها لا تصدق ان تلك النهايه وعمر يمنعها ولم يمنع عيناه ان تفيض بما كتم ..

أفاقت عبير –أم عمر – في المشفى لا تعبأ بألمها الشديد جراء اصابه في الظهر والكليه لتسأل عن صغارها .. وهم يتكابرون على الألم يقبلونها مبتسمين مباركين قيامها بسلامة ..

لم يكن ثمة ملجأ ثالث .. سوى مقاعد الدراسه التي تتعهد الصغار .. كانت الفاخورة اختيار أبو حسن كونها تابعه للامم المتحده ولها من الامان نصيب لكن كانت الأقدار تختار شيئا آخر ..


كانت الصغيرتان تتعهدان الوالده بحنان لاستيعاب ألمها .. هذه تحمل الصغيره وتلك تراقب عبد العزيز الذي يعبث بكرات الزجاج الصغيرة مع أصحابه .. وعيناهما لا تفارقان الوقود الذي يشتعل بقلب كبيرهم عمر لا يطفئ ناره الا طاعه أمه ..


مضت الأيام والوالده تتماثل للشفاء هونا ما .. ومئات القابعين في الفاخورة يلملمون شتات الجراح ويتبادلون الأدوار في لعبة الصبر التي لابد من احترافها في أرض فلسطين ..
لم يبق من عائله أبو حسن الا ثلاث من زوجات بنيه فقدت احداهن صغيريها وهي حديثة عهد بزواج واخرى بترت ساقي ولدها وبقيت أم عمر ببعض الشظايا الصغيرة على وجوه صغارها حماهم لطف الله مما هو أكثر .. أما ابناؤه الرجال لا يُعلم كيف حالهم وقد شدوا رحالهم للثغور


نزل أبو الحسن أثناء الهدنه ذات الثلاث ساعات ليجبي للصغار ما يسد جوعهم .. بينما حاولت أم عمر النزول لفناء المدرسه مللا من طول بقائها حبيسه الغرف الدراسيه متكئة على رفيقاتها ..
هرع اليها عمر ليعينها .. واستقبلها عبد العزيز في الفناء فرحا بعودتها واقفه على قدميهاا من جديد ..

مالت سماء الصغيره على كتف سلوى نائمة بعدما انقطع بكائها من شدة الجوع وطول الانتظار ..
حملتها عنها سلمى ; لتصعد السلالم بعيدا عن الضوضاء لتنعم الصغيره ببعض الهدوء ..

ثم كان .

أشلاء هنا .. وأطراف هناك بفعل قنابل الدايم .. واخرى محترقه ببركات الفسفور الأبيض

وسلمى لم تنطق ..

عاد الشيخ ليصرعه هول المنظر .. جاثٍ على ركبته مهللاً يقلب كفيه التي انسكب منها الحليب الذي جناه بصعوبه

قاطعه - ماذا عن سلمى ..
- لم تنطق سلمى يا ولدي .. ولم تبكِ ..كانت تهدهد الصغيره فقط

مسح الشيخ دمعه مشفقا على من تجلس جواره لتسمع الحكايه ويعيشها جنانها من جديد

والشيخ لا يملك الا حوقلةً يخالطها دمع لتنتهي بها شهادته..


والمذيع صمت ، بكى ..

ومـا يجدي البكاء

فيقطع مشهدهم صوتها : رح أكبر وبخلي ولادي ينتقموا لأمي واخواتي .. رح فرجيهم القرود .

.
.

وفي غـزة ألـف سلمـى .. ألف قصـه

.

شهيــدة

هناك ٨ تعليقات:

غير معرف يقول...

رائعة.. حقـًا
خاصة وقد ذكرتِ جباليا
ولـ جباليا بالقلب مكان!
...
اتخذت مِن أول يوم مبتدأ القصة
وفي المنتصف، تلك المأساة
ثم بعد نهاية الحرب، يروي الجد القصة
...
فقط ملاحظة:
بالنهاية تبين أن القصة كما لو كان الجد أبو حسن هو من يرويها لمذيع بإحدى القنوات.. وبجواره سلمى
فحبذا لو كنتِ أشرتِ لهذا بافتتاحٍ أو شيءٍ ما..

آلاء محى يقول...

قصة رائعة

تبين كما عانى اولئك الصامدين الثابتين بغزة

زادهم الله صبرا وثباتا

وشهدائهم فى الجنة ان شاء الله

شهيدة يقول...

الفاضل اسلام ناجح

جباليا قعله فيها بشر من جبال

حاولت ان اجعل وصله ان الجد يروى القصه لكن لم تسر على ما يرام فحبذتها كما خرجت من القلم ...

في القصص الجايه بعون الله نصحح الخلل

حييتم

شهيدة يقول...

الاء محيي

حياك الله هنا

وسلمهم هناك وربط على قلوبهم


أنرتني

غير معرف يقول...

قصة جميلة يا شهيدة ..
هل لي برقمك يا شهيدة هل يمكن أن أطلب منك هذا الطلب
رشاش وفل

شهيدة يقول...

يا الله حييها

يا بنتي وليش مستحيه هالقد

كيف لو ما بتعرفيني من زمااان

بحاكيك ع الايميل افضل

نورت

يقين النصر يقول...

الله أكبر على ال creativity تقريبا الابداع بييجى على أول الدراسة ولا ماذا تعتقدين ..
غزة الاباءربت جيلا من الأمل القادم ..
بارك الله بقلمك الحبيب ..

Unknown يقول...

صارت شهيدة
فى كل بقاع ارضنا
مرة بأيدى الأعــــداء
ومرة بـــــأيدى العملاء