الأحد، فبراير ٠٨، ٢٠٠٩

عن زياره جرحى غـزة ..


يـوم .. هو من تلك الأيام التي لا يسعها قلم ، فقط تحتفظ بتفاصيله في سجلات الذاكره مخبوءا ككنز ربما .. كشيء عزيـز

هكذا قلت لإيمان عاطف- مدونة - عندما قالت : لا ادري كيف ساكتب عن هذا اليوم ؟!

بالأمس ذهبنا لزياره جرحى غزة بمشفى الهلال برمسيس ..

يتضارب بذهني كثير امور .. عن ماذا اخبركم .. اليوم من اوله لآخره عجيب .. او ربما لم اشعر به .. او ربما شعرت به لدرجه لم اشعر بشعوري ..هه

عن دُنيا الطفله التي لم تتجاوز الثامنة .. ترقد فلا يخفى على عين جسدها المهدود من التعب .. وصوتها الضعيف وهي تنشد لنا " أنا لبندورة الحمرا "

ام عن نور الصغيره المصابة بطلق ناري في الدماغ وابتسامتها الملائكيه التي تشعرك بشعور غريب وفرحة غامره اذ تناولت مني العصير وشربته كله بعدما احجمت عن غيره مما تكدس عندها

ام عن حسين- 8 سنوات - الذي فارق غرفة العناية المركزة قبل مجيئنا بيوم .. ولا يزال وجهه واجم لا في الحقيقة هو مصدوم .. ربما لم يسعه ان يستوعب منظر وجهة وآثار الشظايا تركت فيه علامات لا تمحيها الأيام .. وعروقه التي لا تقوى على تغطيه دقات قلبه وهو نائم فتبدو انفاسه جليه تسفر عن وهن يحتاج لمدة ليزول

ام عن الجد أبو نضال .. ذلك الرجل الذي جاوز الـ68 .. لم أر في خفه ظله وتفاؤله ومزاحه احد .. رغم ابن اخيه الراقد بجانبه فاقدا بصره وتشوه وجهة ببركات الـإف 16 .. وقدمه التي تخترقها المسامير الطبية من كل جانب ..

ام عن الجدة أم تيسير جاءت مع ابنها المصاب .. واصرت ان نجلس معها لتحكي لنا عن القدس والاقصى وغزة قديما وكيف عايشت حياة صعبه ..

ام جدة نور التي تقطُر فهما ووعيا حفظها الله

عن أيهم احدثكم .. وكلهم لا يسعهم الوصف بأنهم رائــعون .. لم أشعر بغربة مطلقا في زيارتهم وحتى انني - على غير ما توقعت - لم ابك ، ولم احزن حتى .. شعرت بشعور لا استطيع تحديده حتى اللحظة .. هؤلاء لا نخشى عليهم

الجد ابو نضال عتب علينا اننا اثقلنا على انفسنا بأكياس الهدايا وما يوازيها .. وحثنا على المجئ كثيرا قائلا : انتو معندكمش دراسه صح .. تعالوا واقعدوا معنا .
لو انه بأيدينا يا جدي

جدة نور اخذت تحكي لنا عن غزة واقتصادها السابق وكيف دمره اليهود :" ياريت لو كانت الحرب بالسلاح بس كان هين يا ولادي .. لكن هذول ما خلوا اشي فيه حياة إلنا الا اخذوه ، غزة من وين ما بتمشوا فيها كنتو تشمو ريحه الليمون .. هلأ ما عاد .. غزة كانت تصدر البرتقال والليمون لاوربا فمنعوا اليهود تصديره "..
والحكايه لا تنتهي فمرورا بزراعه الورود وغيرها وفي كل مره تنجح غزة يتعمد الصهاينه قتلها بكل وسيلة

والد دُنيا الذي بدى صغيرا في السن .. تركنا معها لنحادثها ونطعمها بأيدينا ..
ممل جدا .. طفل مكانه موطن اللعب واللهو .. وهو أسير لسرير لا يجد في نفسه عزما ليحرك يديه ليتناول طعامه من شدة ما أصابه من وهن صحته ..
دُنيا اخبرتنا عن اخويها ديانا ومحمد .. ومشطت لها شعرها قبل ذهابنا ووضعت لها بكلات " توك " .. وأنشدت لنا " أنا البندورة الحمرا " .. ووعدتني الا تنساني لان اسمي على اسم ابنه خالها ..

حسين لم يكن يتجاوب مع اي احد بالكاد كان يتمتم .. عمه كان يرافقه .. حزنت كثيرا لاجل حسين رأيت في عينه كبرياء لا يحب ان نراه وهو ضعيف .. اظنه ممن يحبون الركض الكثير والمشاغبه .. قضى جل وقته نائما في هدوء .. ودقات قلبه نعرفها في حركه عروقه

الجدة أم تيسير اخذت تحكي لنا عن قصه اهلها منذ بدايتها وحتى امها التي مات كل من تعرفه من اقارب واهل وتزوجت لتنجبها هي واخوتها ..
صلت في الاقصى 25 مره .. وقد اتصلت امي بي عندما كنا لديها وتركتها تحدثها ..

عرفنا أم تيسير لانها كانت نائمة في غرفة امرأة كنا نشد الرحال لزيارتها اوضحت لنا انها جاءت لترتاح قليلا وان ابنها في غرفه اخرى بنفس الطابق ..

غادة .. هي تلك المراه التي قصدناها .. شابه في الـ31 .. ترقد بلا حراك .. وجهها كالبدر .. لها سته من الاطفال بالكاد امسكت دمعها عندما اخبرتنا عنهم ..
اصابتها اعتقد انها شديده في القدم والساق .. حقا الام قد تتحمل وتصمد لاجل اولادها لتقوم بأمرهم لكنها لا تتحمل ان تبقى عاجزة عنهم .. وهم في ريعان الطفولة

كانت هناك حفله يـُعد لها الممرضين والموظفين بالمشفى .. كان يوم ميلاد احد الجرحى الشباب .. عرفنا انه من افراد الدفاع المدني .. اخرجوا جميع من بالغرف لقاعه الاحتفال ..تمنينا لو حضرنا معهم لكن الوقت كان يؤذن بالتأخير فشاركناهم بالاعداد للحفل ..

ألبست نور حلق بدى رائعا عليها .. ومشطت لدنيا شعرها الذي بدى مهملا منذ مده ووضعت لها بكلات زهريه اللون .. وانشدت لنا وقبلتنا ومضينا ..

نسيت اخباركم ان فكاهة الطابق الجد أبو نضال .. ذلك الذي يترك الانطباع انه لا يكسره حزن .. أرانا صورة " الشمس التي غابت - حسب وصفه - " زوجته التي توفاها الله منذ 5 سنوات .. وبكى بشدة
ماذا تملك امام روحا مرحه كتلك لتعزيها في ما وصفه " كنت أحبها حبا جما " .. لم نملك الا : في الجنه الملتقى ان شاء الله..


الممرضين والممرضات كانوا طوع امرهم .. والاطفال يتم رعايتهم جيدا .. حتى حر الشمس يحفظونهم منه ..
الطابق كل من فيه جرحى .. روح المزاح لا تفارقهم ابدا .. ماشاء الله
كلهم كالجسد الواحد .. يعرفون بعضهم فردا فردا

اختم بإهداء كتبه لي جدو أبو نضال

" إلى من وقفوا بجانبنا في الأوقات الحرجة .. إلى الشموس التي مسحت الظلمة عن شعبنا .. إلى أبناء النيل ، من وهبونا الحياة في أحلك الأوقات .. تنحني الهامات لهم تقديرا وعرفانا ."

ابن فلسطين
رجب عبد الرازق
غزة - الزيتون
7-2-2009





هناك ١٣ تعليقًا:

AbdElRaHmaN Ayyash يقول...

:)
أبهروني كما أبهروكم
لكن الحقيقة أنهم لم يخلقوا إلا لذلك .. و أخشى أننا لم نعرف بعد لم نحن بجوارهم ؟ او لم قدر الله لنا ان نكون هنا ؟ و ان يكونوا هم هناك!

اسلام الشربينى يقول...

ياااااة مأسااااااااااااة فعلا
يا رب تكون فى ميزان حسناتك




تحياتى ....اسلام الشربينى

Aml Ghonaim يقول...

الله المستعااااان ..
رب اشفهم شفاء لا يغادره سقم ..
واغفر لي ولقومي ...
شهيدة :
مش هتبطلي حركات الندالة دي ؟ كان أخبرتينا على الأقل !!!

غير معرف يقول...

الله المستعان ..

شكرا شهيدة علي هذه الصور ..

غير معرف يقول...

صدقتِ.. هؤلاء لا نخشى عليهم..
لنخشَ على أنفسنا!

أحداثٌ كهذي الزيارة.. لا يتسع البيان لوصفها..
نعجز عن وصف شعورنا بها.. وتظلُّ تراودُ الذاكرة

لم أتمالك نفسي وأنا أقرأ...

كنت في معرض الكتاب يوم الثلاثاء، لكن لم أتمكن من زيارتهم!
سأذهب إليهم بإذن الله.. إما الجمعة أو السبت
ربما أُمضِي معهم اليومَ بطوله...

شفاهم الله وعافاهم...

شهيدة يقول...

عياش

لا تعرف لمذا نحن هنا ولماذا بجوارهم ؟!!!
هذ سؤال أهم وأخطر من أن تجهل إجابته


اسلام
حياك الله


أمل
:D خليك في اللي انتي فيه بلاش جري كل شويه


عهود

والنعم بالله
أنرتني يا عهود :)


إسلام ناجح

موفق .. ستجد الكثير الكثير لتعيشه في ذلك اليوم معهم .. ستخرج وبالتأكيد ستترك بعض قلبك وعقلك عندهم ..هي اخوة الدين الفطرية فينا ربما او أكـثر

غير معرف يقول...

عفوًا جدو "أبونضال"
نحن من تنحني هاماتنا خجلاً وتقديرًا لكم..
أتعلمين أخت شهيدةكم تمنيت أن أكون بجانبهم..وأجلس مع جدو أبونضال:(
ســـــلام..

أمل ناجح يقول...

أها نسيت (صاحبة التعليق السابق)
عذرًا...

شهيدة يقول...

أهلا بكِ أمل :)

انتي تقربي لإسلام ناجح ؟!! :)

أمل ناجح يقول...

الأخ إسلام ناجح..
أنا..أعرفه؟!!!

إنه يقبع بجانبي!!
إنه أخي..
"يللا ياإبني ياإسلام هاعترف بيك والسـلام.."هه

شهيدة يقول...

أنعم وأكرم :)

تشرفين بالاعتراف به ويشرف بك كذلك

حييتما

رشَاش وفٌل يقول...

كالعادة هكذا هم أعل غزة لأنهم أهل غزة وكفى!
بوركت

شهيدة يقول...

حياك ربي فلة

اجل هم اهل العزة .. هم هكذا وأكثر ..