الخميس، مارس ٢٥، ٢٠١٠

يتيـم ,,

بعد غياب شهور لا أذكر عددها .. عن الكتابة

كانت هذه
بلا تعديلات معتادة .. ولا يهمني حتى ان تكون جيدة او لا ،، هي هكذا ، وهكذا فقط

..



عندما نحرم من والدينا فكل منا يفتقدهم بطريقته الخاصة
بعضكم يفقد حنانهم ، البعض الآخر يفتقد مذاق أكل أمه ، أو حضنها حين وحدته ، او تفقد احداهن سند والدها عند المحن

أما أنا فلو افتقدهم فأفتقد وجودهم كمصدات طبيعية لنوائب الحياة .. كمسكنات تخفف وجعك ان وقعت ، ربما كمخدرات عن سوء الدنيا كي لا تتلوث بحقائقها مبكرا ..

ولدت بصدر وظهر عاريين ، بلا ام تحضنني ولا أب أعتضد به وأستند عليه ..
قُدر لي أن أواجه الحياة مجردة من أي مسكنات ، كل شيء أراه بمقياس نظر 6/6 ، لا يوجد والدين يعطوك بطيب الكلام منظار بعيد النظر لترى الامور أصغر مما هي عليه فيخف وجعك، ولا حتى مقياس قصر نظر لتكبر أفراحك بابتسامه منهم او شدة على يديك بأيديهم

لم أجد من يواسيني بأن والدي مسافر حين أسأل عنه ، او أن أمي في السماء تسرح وتمرح في الجنة عند الله ، طرقت كلمة الموت مسمعي قبل الخامسة ، ولم يكن تفسيرها بالصعب لأنهم اضطروني لحضور وفاة مدير الملجأ امام عيني على عتبات الدار

لم يكن هناك مسكنات بشريه تمنع عيني من الرؤية او تدفعني لخارج ميدان ملك الموت حيث يمارس وظيفته

وعندما تفهم الموت ، ويكون لشخص اهتم بك واعطاك ولو واحد من ألف من الحنان تقتات عليه ، فستعرف معنى الفقد والفراق مجردا أيضا

وكونك طفلا ، يضمن لك ان تذوق كل هذه المعاني كمعدن خام .. قلبك صفحة بيضاء والدنيا ترسم عليها كما تشاء .. أي نقطه حبر من قلمها ستظهر في صفحتك بلا شك ..
الدموع لم تكن خيارا مطروحا ، ربما لأن تتابع النكبات جعلني – آسف – " أجبرني" ان أقف على قدمي .. وإلا سأموت .. لو لم يكن من سوء حال الملجأ فمن الحزن
والحياة لا تتحمل كلا الخيارين .. عليك الوقوف .. شئت أم أبيت

لا يوجد من يرتب على كتفك حيئذ ويشد من أزرك ويخبرك ان لكل جواد كبوة والأمل لا ينقطع
لا يوجد مخدرات من هذا النوع في عالمي ، لذلك أستطيع القول اني افهم الحياة واخبرها اكثر منكم جميعا ..

لم اكن أعيش على الأمل ، مثلي لم يعرف هذا المعنى ، على الاقل في اول عقدين من عمري ..
كنت اعيش لأني حي .. ولأن هذا ما علي فعله في عالم يقتات من فيه على بعضهم بلا حرج .. ربما غريزة البقاء هي من دفعتني للبقاء .. حتى لو كان البقاء بلا معنى وبلا طريق .. لا أرى فيه الا موقع قدمي ، لا استطيع ان افكر في المساء فضلا عن الغد .. الحياة هي ما اعيشها اللحظة وللحظة فقط أعيش

مثلي لا يعرف للكرم معنى أيضا ، لاني لم أفهم يوما اي افتح يدي لأطلب شيئا من أي شخص .. لا ادري لماذا ايضا ، ربما كانت فطرة الكرامة الإنسانية ، والكرامة الإنسانية قبل ان تظنوا بي شيئا من الثقافة – حاشاي - مصطلح عرفته من عالمكم حديثا ,,

السماء ، لم يكن لها حضور كبير في قاموسي ، كل ما أذكره ان الدنيا اذا صدمتني بحقيقة جديدة مجردة أيضا كنت أتطلع لزرقتها واتنفس ، لا أدري لماذا .. ربما هي فطرة اللجوء والإحتياج ..

عملت في وظائف عدة ، عاشرت أصنافا لا تعد من البشر .. أصبحت خبيرا في فهمهم .. يمكنني ان أفتح مكتب استشارات لو أردتم .. لكنه سيغلق اليوم نفسه ، ربما لأني لا احسن تزيين الحقائق كما تفعلون ، ولا ان أمسح على الجروح بمخدر ليوهم صاحبها انها أخف مما يشعر ، وان مصيبته ستزول بدمعتين منه .. اورثتني الحياة صلابة كافية كي لا أتقن هذا النوع من التمثيل لأتقاضى عليه أجرا ..

أنا شخص وحيد ، ليس لأني لم أحب البشر ، ربما لم يكن لي حظا معهم منذ البداية .. وفاقد الشيء لا يعطيه
لم أعرف مصطلح الرحمة إلا مؤخرا ، ربما لأن القسوة سبقتها بالرسم على لوحتي البيضاء عندما كان يضربني المدير الجديد للملجأ ضربا مبرحا وانا في السادسة فهربت من الدار هائما على وجهي الملطخ بالجروح , كان الشتاء يرسل أمارات قدومه بقوة كأنه انتظر خروجي ليستقبلي بزمهريره ,, لا أذكر أبرد من ذلك الشتاء ، ربما لأني أسقطت رفاهية جسدي مذ ذاك من اهتماماتي ,, تقلبت على أمكنة عدة للعمل فيها ، واغلبها كان الشتم والطرد ربما الضرب أيضا نصيبي من أصحابها .

أخبرتكم سلفا لم أعرف مصطلح التسول ولا جربته يوما ، عملت في التنظيف حتى العاشرة ، مطاعم ، منازل ، كل ما يخطر على بالك ، كنت أرى الوجه الآخر للبشر ، الوجه الذي يسارعون بإلقاءه في القمامة ، بعدها عملت في احد المطاعم كمنظف صحون ، كان من السهل ان التقط وصفات الطباخ ، كان لدي أنف ولسان مميزين ,, كنت اشير على الطباخ أحيانا ، فيوبخني وربما يضربني .. نسيت اخباركم .. على قدر ما عرفت الحياة والبشر ، فلا أردي لماذا سذاجة الطفل وبراءته لازلت بداخلي .. رغم كل ما تعرضت إليه ، لا زلت اجرب كل شيء جديد واتقبل صدماته بنفس اللوحة البيضاء ولازلت أعامل البشر كذلك .. ربما لم أشهد منهم خيرا .. لكني لا أكن لهم طغينة ,, ربما هذه رحمة الله كي لا اعرف مصطله الحقد .. حياتي وحجيمها كان ليتضاعف بذلك المصطلح ..

أخبرني زميلي في تنظيف الصحون بالمطبخ ذات يوم ان لي قلبا نقيا ، وروحا قل مثيلها .. إلا ان كلماته لم يكن لها وزن لدى شخص مثلي ، لم يعتد سماع مثل هذا الكلام

ألح علي صاحبي ذاك ان أتعلم القراءة والكتابة ، كان يظن اني سأقتنص فرصا اكبر وحياة ارغد لو فعلت ، وكنت أرى ولا زلت ان الحياة لا تحتاج إلا ان تعيشها وتعالجها .. لا ان تكتبها
تتعجبون ربما كوني وصلت لهذه المناصب وانا لا أخط حرفا .. وان كانت حكمتي صحيحة فكيف سمح لي البشر بترقيهم اصلا
سبق وقلت ، استطيع ان افهم كيف يفكرون ولم يكن بالصعب علي ان اتعامل مع عقولهم لتجعل قلما بيدي هو حجز الزاوية في حياة شخص مثلي لا يعرف هذه الرفاهية في الشروط
تعودت على شروط من نوعية ان تكون صحتك جيدة بمعنى تملك تصريف امورك ولو كنت بنصف جسد
اما ان تكتب وتقرأ !!

الحسنة الوحيدة التي أهداني إياها تتابع المحن ، أن لا شيء أصبح مؤثرا سلبيا علي ,, وربما حتى ايجابيا .. كنت اشق طريقي وفقط ..

عرفت ان لي ذوقا في الطبخ ، حاولت فيما يقرب من عشرين مره لافتتاح كشك من بقايا رواتبي من التنظيف التي تراكمت لدي .. كان هذا في الخامسه عشر من عمري
في كل مرة تقف الحكومة عثرة في طريقي لأن كشكي طفيلي على عالمهم المنظم
لم يكن من بد ان أذهب إلى حيث ولدت .. إلى قريتي .. إلى الأزقة الضيقة .. هناك لا عين تلتقط هذه المخالفات ربما لأن المنطقة كلها طفيلية عليهم أصلا

بدأت مشروعي الصغير بما يتناسب مع احتياجات تلك النوعية الفقيرة من الناس .. رخصت أسعاري .. عام وراء عام ، كشكي أصبح ملجأ ، عرفت الكثيرين ,, قابلت عجوزا ذات يوم يرقد على حافة الشارع الذي نصبت فيه كشكي .. عيناه لم تفارق الطعام الذي أصنعه ، شعرت بحاجته .. حملت في يدي بعض السندوتشات ووضعتهم امامه ومضيت لمحته يلتهمها .. كان هذا مدير الملجأ الذي ضربني وهربت بسببه .. لم يهمني ان اعرف علام انتهى حاله ولماذا .. عرفت من تقلب الدنيا ما يكفي لأصدق مثل هذا واكثر

تجمع لدي مبلغ جيد من المال ، لا تعتقدوا اني خالفت طبعي في عيش لحظتي وفقط .. لم اكن ألهو ولا حُبب إلي ذلك ، تراكم المال لدي بفعل الوقت لا اكثر ..

استطعت تأجير محل كان على مقربة من المطعم الذي عملت فيه صبيا لكنه كان في الجانب الآخر من المدينة ، جانب يعيش فيه أمثالي .. حينها مضى علي في الدنيا حيا 17 عام

بدأت بوصفات متعددة ، فتحت لخيالي العنان .. بدأت شهرتي بالازدياد شيئا فشيئا .. كنت اعمل صباحا في ذلك المحل وليلا أعود لمكاني القديم واعد الشندوتشات الصغيرة لأهل القرية وقللت سعرها عما كان ايضا .. لا ادري لماذا ، صدقوني لم اكن اعرف معنى الاحسان ولا اقصده .. ربما هذه احدى تدخلات الفطرة أيضا

محل ، اثنين ثلاث .. والآن أنا صاحب اكبر سلسلة مطاعم في الوطن كله .. هه .. بالمناسبة كلمه الوطن لم اعرفها سوى مؤخرا كي تتناسب مع أسماعكم ، ربما لاني لم اعرف ما معنى الوطن اصلا ، هل هو الذي يوفر لك مأكلا ومشربا ومسكنا ، هل هو الناس .. انا بلا وطن اذن .. لم ارهق نفسي للبحث كثيرا .. لا يهمني كثيرا تعريفه .. وطني الذي لم يفارقني يوما ، هو سمائي وأنا .. الشيئان الوحيدان الذان لم يتغيرا علي مذ وعيت ..


انتهت ..





شهيــدة

ليست هناك تعليقات: