الجمعة، يناير ٢٥، ٢٠٠٨

كيس شبسي من مصر ... مع أبو علاء

مقال جديد للاستاذ الفاضل محمد شراب ... قصه مؤثره تتكرر كثيرا هذه الايام في غزة وربما هناك ما هو اقسى ..


اترككم مع قلمه الوضاء



لم يصدق (أبو علاء) خبر فتح الحدود بين مصر وغزة حتى أكد له جاره (أبو محمود) بعد أن أقسم له أنه شاهد ذلك بنفسه على شاشات التلفاز وأنه يعد نفسه الآن للذهاب إلى العريش ليشترى بعض مستلزمات المنزل التي لم تعد متوفرة في غزة بسبب الحصار ..

عاد (أبو علاء) إلى بيته حيث زوجته وأطفاله الذين بدوا وكأنهم يعيشون أجواء عيد وفرح رغم كل المعاناة التي تحيط بهم منذ سنوات .. كان أطفاله يلحون عليه ليأخذهم معه إلى مصر رغم أنه لم يخبرهم بنيته الذهاب إلى هناك ، ولكن يبدو أن الأطفال شعروا بأن والدهم لن يفوت الفرصة مثله مثل غالبية الجيران الذين يتأهبون الآن للتوجه نحو الحدود ..

ابنته الصغيرة (سمر) ذات الثلاثة أعوام تعلقت بعنقه وألحت عليه بالقبل تارة وبالبكاء تارة ليتخذ قرارا باصطحابها معه .. زوجته تنظر إليه بإشفاق رغم ابتسامتها المرسومة على شفتيها .. أما بقية أبناءه كانوا ينتظرون أن تسفر محاولات أختهم الصغيرة بالنجاح فتتاح لهم فرصة الذهاب مع والدهم إلى الحدود ثم إلى مصر التي فتحت أبواب الأمل للتخلص من المعاناة والحرمان ..

كان لابد من إجراء مباحثات سرية بينه وبين زوجته بعيداً عن الأطفال ، انتهت بعد مفاوضات مضنية وصعوبة إقناع بأن يأخذ (أبو علاء) العشرون شيكلا هي كل ما يملكون في المنزل ، ثم يذهب إلى الحدود ويشترى من هناك أي منتج مصري يؤكد به لأطفاله أنه ذهب إلى مصر وعاد ، ثم يسرد لهم ما شاهده هناك باعتباره مبعوثهم إلى مصر ..

خمسة شواكل أنفقها (أبو علاء) أجرة طريق قبل أن تطأ قدمه الحدود .. وبعد أن تفحص المشهد وشاهد بنفسه تدفق الناس من مدينة رفح الفلسطينية إلى رفح المصرية ، اندس بدوره وسط الجموع وسار بينهم على غير هدى دون أن يجرؤ على النظر لأي من المتاجر ليكتشف ما الذي تبيعه ..

عاد (أبو علاء) إلى الحدود بعد أن قطع خمسمائة متر داخل الأراضي المصرية ، أعتقد أنها تكفي لرحلة استكشافه .. لكنه توقف بالقرب من الجدار الحدودي عندما سمع أحدهم ينادي (كرتونة الشيبس بعشرة شيكل) لم يصدق (أبو علاء) ما يسمعه حتى تأكد من البائع بنفسه واشترى بالفعل كرتونة شبيسي حملها على كتفه كأنها طوق النجاة الذي سينقذه من أسئلة أطفاله الذين ينتظرونه بفارغ الصبر ..

نقد (أبو علاء) سائق التاكسي الخمسة شيكل التي بقيت في جيبه ليعود إلى مدينته ، وعندما دخل الشارع الذي يسكن فيه ، قابله جاره الدكتور (هاني) المنقطع عن العمل بأوامر من حكومة دايتون وقال له هازئا : (أهذا كل ما يهمكم يا أهل غزة ! .. شيبس مصري ؟..

أراد (أبو علاء) أن يرد عليه ولكنه تذكر أن الطبيب الذي ينقطع عن العمل رغم حاجة المستشفيات إليه خشية من أن ينقطع راتبه ، هو إنسان بلا ضمير أو أخلاق ، وأنه مهما حدثه وبرر له فعلته الشنيعة التي جعلته يشترى كرتونة الشيبس ، فلن يصل كلامه إلى عقله أو ضميره الذي اشتراه العملاء بثمن بخس
..!

دخل (أبو علاء) إلى بيته وبمجرد أن فعل ، تحوقل حوله أطفاله ينظرون بلهفة لما يحمله بين يديه .. وقبل أن يخمن أحدهم بما في داخل الكرتونة قام بفتحها وأخرج منها كيس شيبس وهو يقول (أحضرت لكم شيبسي مصري) .. كانت فرحة أطفاله لا توصف لأنهم بالفعل لم يشاهدوا الشيبس منذ فترة طويلة .. وفرحتهم كانت أكبر لأن الشيبس من مصر التي دخلها والدهم بلا تصاريح أو تأشيرات ..

وقف ينظر إليهم وهو يبتسم لأنه لم يرى في عيونهم الفرح منذ زمن طويل ، بينما وقفت زوجته إلى جواره وهي تقول : (كنا بحاجة فعلا إلى هذا الشيبس .. لا تحمل هم الغد ، إن الله معنا (

_____انتهى المقال




لك الله يا غزة ...ونحن مكبلون بالعجز عن وصولك لنحمل بعضا من جراحك .. لولاه ما ادخرنا عنك غال او نفيس يا قطعه منا


هناك ٨ تعليقات:

عصفور المدينة يقول...

مؤثرة جدا

يقين النصر يقول...

راااااااااااائعه ..
محمد أخويا قاللى أنا هروح رفح ...
مدونتك صارت رائعه ..نفخ الله فى صورتها أخيرا ..
آلاء

غير معرف يقول...

بارك الله فيكى أختى فى الله

شهيدة يقول...

استاذنا الفاضل عصفور المدينه ...

هي فعلا كذلك ... شاكرة لكم مابعتكم ومروركم الكريم


يقين النصر ... يااا هلا اخيرا طليتي علينا .. عقبال ما نروح غزة مش رفح بس :)

تحياتي لك وللعائله ...


" غير معرف " ...

وبورك فيك .. اشكرك لمرورك

Gihad N. Sohsah يقول...

أحب الاشياء هي التي لا نحصل عليها...فما قيم الرمال في الصحراء..وما قيمة الماء على شاطئ البحر...وهل كان الذهب سيصبح غاليا لو كان موجودا بكثرة...قيمة الاشياء تكمن في صعوبتها وليست كينونتها

شهيدة يقول...

حيا الله صانعه الاحلام ..

شرفتينا يا ذات القلم الجميل

زورينا دائما :)

صيد الخاطر يقول...

رااااااااااائعة
والله ياشهيدة لسه أول مااقراه دلوقتي
رائع كعادته الاستاذ محمد
مدوخني وراه
بستنى اي حاجة ينزلها

هذا الرجل أكثر من رائع نفع الله تعالى به

شهيدة يقول...

يا اهلا يا باشا ..

منورني في المدونة ...

التحيه لك