الثلاثاء، يوليو ٢١، ٢٠٠٩

نظرة في الأدب والأدباء .. رواية " عزازيل " انموذجا

سلام الله عليكم ..

ابتداءا اقدم اعتذاري لهذه المدة الطويلة من الغياب وذلك لعطل أصاب جهازي وهو حاليا في مستشفى الإلكترونيات لعمل صيانة ولعله قريبا يعود

سألتني صديقة مرة بعدما قرأت بعض قصصي عن الروايات التي اقرأها فكان جوابي انني لم أقرأ اي رواية ابدا .. ليس اكثر من اربع قصص متوسطة الطول فقط هي التي شدتني واجبرتني ان اقرأها ..
سعت منها ما يشنف الآذان من اللوم والتأنيب .. فبنظرها لو كانت هذه القصص تخرج بهذا الشكل الجيد على غير خلفية أدبية عالية اذن فالنتاج سيكون افضل واروع بكثير لو أصبح الأدب جزءا أساسيا في قائمة ما أقرأ .. وعدتها ان افكر في الامر .. وهي محقة صراحةً

مؤخرا اقتنيت رواية " عزازيل " وذلك إثر مناقشة شهدتها على قناة الجزيرة مع كاتبها حول الرواية بمناسبة حصولها هذا العام على جائرة الرواية العربية .. وكذلك قرأت رواية " على جناح الدم " ، ولا ازال في طور قراءة روايه " فرج " لرضوى عاشور .. المهم

كان اول ما شدني للبدء به هي عزازيل لأن موضوعها كما سمعت جديد ومضمونها لا يهتم بمجرد ان تكون روايه بقدر ما يهمه ان يوصل فكرتها

فكرة الروايه باختصار عن بعض اوراق وجدت في ارض كان عليها دير قديم .. هذه الأوراق لراهب يدعى " هيبا " سطر فيها كافة ما حدث معه من احداث في حياته .. وهي احداث شملت الكثير الكثير من أسرار الكنائس وأسرار المذاهب الكنسية والخلاف ما بينها والصورة الحقيقية ربما للوضع المزري الذي كانت عليه الديانة المسيحية في ذلك الوقت وهو بالطبع ما افرز الوضع الحالي ..

هيبا نفسه دلالة واضحة على تناقض الرهبان وأحوالهم وهو كما يبدو للقارئ أفضلهم ضميرا ..

ما دفعني لكتابة هذا الموضوع هو بعض الفصول التي تعرض فيها الكاتب لحياة هيبا الخاصة وعلاقاته بالنساء كيف كانت .. وبتفصيل هو فعلا يخرج عن نطاق الأدب ليكون الاولى به سلة المهملات ..

مع شديد احترامي للأديب وما كتب واسلوبه القوي والمضمون العالي .. الخ .. ومع احترامي لمن يقول ان الحياة لا تتجزأ لنعرض منها ما نريد ونغفل عما دون ذلك ..

نستطيع ان نكتب عن كل تلك الأجزاء الخاصة بالتعريض الذي لا يجرح شعور القارئ او يهتك ستر خياله فيجمح مع الصورة التي يرسمها الكاتب ، والنتيجة التي نحصل عليها ،هي عقل غفل عن فكرة الرواية او حتى فكرة المخالفة في هذا التصرف من شخوص الرواية إلى حالة استمتاع غرائزي بما يقرأ .. هذا عند البعض ، البعض الآخر قد يغلق الروايه اصلا ولا يعود لقراءة شيء يؤذي عيناه وعقله ، وفي احسن الاحوال سيقلب هذه الفصول منتقلا لغيرها مما لا يحوي دنو المضمون بتلك الطريقة ..

الأدب القراآني ضرب مثلا رائعا في هذا الصدد .. عندما قص سورة يوسف ووصف ببلاغة شديدة أكثر الامور قبحا فيما يتعلق بشهوة البشر بدون ان يثير حفيظة من يقرأ او يرسل برسائل سلبية لا مباشرة ان الحرام وان كان حراما فهو ممتع ..بالتالي يذهب صحوة الضمير التي يريد ايصالها أصلا ان هذا الفعل مشين وخطأ فينتقل شعوره من المعارض الى المائل غرائزيا لما يمتعه بغض النظر عن صحته ..

وحتى عندما تعرض القرآن لوصف علاقة الزوجين تحرى ارقى أنواع الألفاظ وأحسنها وأكثرها علوا

ما قرأته في روايه عزازيل تجاوز حد الأدب وضرورة النظر الى الحياة بشموليتها وبجميع نواحيها وأجزائها إلى تفصيل لا يخرج منه القارئ الا برسائل اغلبها سيئة ولو كانت في وعيه اللاإرادي ..

مما تعلمته في سلم الادب الذي لا أعتبر الا من الطارقين بابه ليس إلا .. ان القلم عندما يكتب فهو يرسم صورة وبتتابع الصور فهو يعرض فيلما متصلا في مخيلة القارئ .. فكما لا يعجبنا ان نرى فيلما يحتوي- على جودة مقصده ونزاهة رسالته - على مشاهد مفصلة عن أشياء قد يفي التعريض بها لوصول المعنى ... فعلى ما أظن ان الامر ذاته ينطبق على الرواية ...


وبناءا على ما سبق .. فالأدب رسالة ومن يمسك القلم وله القدرة على النسج به فهو ينسج ثقافة .. تحروا الصدق فيما تكتبون .. فيما تنسجون .. أنتم لا تنسجون قصصا تريدون ان تقرأوها انتم .. بل سيتأثر بها غيركم بلا شك .. والا فالأولى ان تحفظوها بأدراجكم ان صنعتموها لكم ..

ألح علي الكثيرين ان اكتب أي قصة تخطر لي .. وكان ردي الذي شككت في البداية انه مثالي وعلي أن اخفف من حدته اما الان فأصبحت اكثر اصرارا عليه : انني لو اكتب لنفسي فأولى بما اكتب درج مكتبي .. اما لو نشرت .. فأنا ملزمة ان أوصل ما يفيد لمن يقرأ لا ما لا يهمه او ما يضره او لا ينفعه او حتى يسئ إليه .. لسنا مخولين ان نريهم الدنيا بأعيننا .. علينا ان نكون حياديين كفاية .. كي يستطيعوا الوصول للصواب بلا تأثير قد ينطبق عليه " ان من البيان لسحرا " ..

ان لم يكن الأدب للفائدة ولصنع ثقافة أمة ينهض بها فأولى به أوراق المذكرات الشخصية

وهذا مجرد رأي :)

لماذا تبنيت هذا الرأي - على الأقل كمهتمه - .. ؟

كقارئه أو حتى كطالبة علم ، لا زلت حتى اللحظة أختار ما أقرأه من الأدب - على ندرته - بحرص شديد .. فأنا وان كنت أبغي الفائدة من تعدد الأساليب الأدبية فأنا أحترم عقلي ونفسي كثيرا كي لا اجرحها بشيء يسيئ لإنسانيتي -التي حرص الإسلام على صونها بفطرتها نقية -مما ينشره أدباء هذا الزمان
ولا أزال أنزه قلمي ان يقص شيئا بعيدا عن القضية ..

لاحظت " كمسلمة " جليا كيف حرص الإسلام ان يحمي المجتمع بضمير شديد النزاهة والشفافية ضد أي عمل سوء فيكون اول خط دفاع هو النفس التي تأبى الدنو وتأنفه ولو كان وصفا .. فكيف بأن يكون عملا وهذا التدرج لاحظته خصوصا في التشريع الإسلامي الإجتماعي .. حرصا ان يكون المجتمع محصنا من داخله قبل ان يكون محصنا بالقوانين الخارجية .. ذلك الوازع هو ما تكسره أمثال هذه التجاوزات التي تتلفع بثوب الأدب .. تكسر حياء القارئ ويعتاد خياله على الخطأ فلا يكون بعيدا عن متناوله واقعا ..أو على أخف الأضرار فهذا يؤثر فيه داخليا .. اسألوا من اعتاد قراءة هذه الروايات كيف كان قبلها وكيف اصبح بعدها وكيف كانت صدمته وكيف صار اعتياده ... وهكذا تصنع الثقافات

ودمتم بخير